سورة محمد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ} أي دينه ورسوله، {يَنْصُرْكُمْ} على عدوكم، {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} عند القتال.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} قال ابن عباس: بُعْدًا لهم. وقال أبو العالية: سقوطًا لهم. وقال الضحاك: خيبة لهم. وقال ابن زيد: شقًاء لهم. قال الفراء: هو نصب على المصدر، على سبيل الدعاء. وقيل: في الدنيا العثرة، وفي الآخرة التردي في النار. ويقال للعاثر: تعسًا إذا لم يريدوا قيامه، وضده لعًا إذا أرادوا قيامه، {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} لأنها كانت في طاعة الشيطان.
{ذَلِكَ} التعس والإضلال، {بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.
ثم خوف الكفار فقال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي أهلكهم، {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} إن لم يؤمنوا، يتوعد مشركي مكة.
{ذَلِكَ} الذي ذكرت، {بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} وليهم وناصرهم، {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}1 لا ناصر لهم. ثم ذكر مآل الفريقين فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} في الدنيا، {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ} ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، وهم لاهون ساهون عما في غد، قيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع، {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}.


{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها، قال ابن عباس: كم رجال هم أشد من أهل مكة؟ يدل عليه قوله: {أَهْلَكْنَاهُمْ} ولم يقل: أهلكناها، {فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} قال ابن عباس: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «أنت أحبُّ بلاد الله إلى الله وأحبُّ بلاد الله إليّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك» فأنزل الله هذه الآية.
{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} يقين من دينه، محمد والمؤمنون، {كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} يعني عبادة الأوثان، وهم أبو جهل والمشركون.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي صفتها، {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} آجن متغير منتن، قرأ ابن كثير {آسن} بالقصر، والآخرون بالمد، وهما لغتان يقال: أسن الماء يأسن أسنًا، وأجن يأجن، أسونًا وأجونًا، إذا تَغَّير، {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ} لذيذة، {لِلشَّارِبِينَ} لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي، {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}.
أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر، أخبرنا عبدالغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو أسامة وعبدالله بن نمير وعلي بن مسهر، عن عبيدالله بن عمر، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة».
قال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر.
{وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} أي من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} شديد الحر تسعر عليهم جهنم منذ خلقت إذا أدني منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم فإذا شربوه، {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} فخرجت من أدبارهم، والأمعاء جميع ما في البطن من الحوايا واحدها معي.


{وَمِنْهُم} يعني من هؤلاء الكفار، {مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} وهم المنافقون، يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه، تهاونًا به وتغافلا {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ} يعني فإذا خرجوا من عندك، {قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} من الصحابة: {مَاذَا قَالَ} محمد، {آنِفًا}؟ يعني الآن، هو من الائتناف ويقال: ائتنفت الأمر أي ابتدأته وأنف الشيء أوله.
قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبدالله بن مسعود استهزاء: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن عباس: وقد سئلت فيمن سئل.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فلم يؤمنوا، {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} في الكفر والنفاق.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} يعني المؤمنين، {زَادَهُم} ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، {هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} وفقهم للعمل بما أمرهم به، وهو التقوى، قال سعيد بن جبير: وآتاهم ثواب تقواهم. {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً}.
أخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت، حدثنا أبو إسحاق الهاشمي، حدثنا الحسين بن الحسن، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا معمر بن راشد، عمن سمع المقبري يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غنى مطغيًا، أو فقرًا منسيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مُفَنِّدًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر».
قوله عز وجل: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أي أماراتها وعلاماتها، واحدها: شرط، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة.
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا فضل بن سليمان، حدثنا أبو حازم، حدثنا سهل بن سعد قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا، بالوسطى والتي تلي الإبهام: «بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين».
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر الحوضي، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس قال: لأحدثنكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثنكم به أحد غيري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد».
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: «أين السائل عن الساعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وُسِدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
قوله عز وجل: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة؟ نظيره: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى} [الفجر- 23].

1 | 2 | 3 | 4 | 5